يحيى الفخراني للنشرة: سأدخل مع "محمد علي" الى السينما .. وأنا واجهتهم قبل عادل امام والهام شاهين
لا أحد يمكنه ان ينكر الموهبة الكبيرة التي
يتمتع بها الفنان يحيى الفخراني، فهذا الرجل جعل للتليفزيون طعما خاصا
ومذاقا مميزا، وصار له موعد شبه ثابت على شاشته. جمهور الفخراني ايضا لايخذله ويذهب معه من دور الى دور مستمتعا بقدرته الهائلة على التقمص والاقناع. أخيرا دخل يحيى الفخراني الى منطقة جديدة
تماما تتعلق بالتصوف وبحقيقة الايمان ، وذلك من خلال المسلسل الذي اثار
جدلا وحقق في نفس الوقت نجاحا وانتشارا كبيرين عندما عرض في شهر رمضان
الماضي. الفخراني يخص " النشرة" بحوار مطول عن
تجربته الأخيرة ، وبخبايا وتفاصيل اعماله المقبلة ، دون ان ينسى ان يعلق
على ما يجري في مصر حاليا، وما تعرض له زملاؤه مؤخرا من ازمات .. بماذا
تفسر النجاح الكبير الذي وجده مسلسلك الأخير "الخواجة عبد القادر" بالرغم
من أنه يتناول موضوعا شائكا مثل التعلق بالأضرحة، كما أنه عرض بشكل حصري
خلال شهر رمضان ، ولم تعيده أي من القنوات حتى الآن بعكس كثير جدا من
الأعمال الدرامية ؟ هذا ما أسميه توفيق الخالق ـ عز وجل ـ ، والمصداقية التي تخللت العمل ،
والتصقت به منذ بداية كتابة الورق قبل ثلاث سنوات وحتى الآن. المؤلف عبد
الرحيم كمال كتبه بصدق ، وشادي الفخراني أخرجه بصدق ، وانا صدقت الشخصية
منذ أول مشهد.
أيضا هناك شيئ آخر وهو أن العمل صعب جدا ، والكل كان متخوفا من تقبل الناس
له ، فهم أمام خواجة سكير وغير مؤمن بالله ، وكذلك الحلقات الأولى كانت
غريبة على المتابع العربي حيث تدور في انجلترا والابطال يتحدثون الفصحى
طوال الوقت، ثم حدثت انتقالات زمنية اربكت البعض ، لكنهم ظلوا مع ذلك على
ولائهم للعمل واخلاصهم له ، ولم يملوا منه ابدا.
كان
يسألني شادي: "هل تعتقد ان الجمهور لن يمل من طريقة السرد ؟"، افكر قليلا،
ثم ارد عليه: "ان شاء الله"، فعندما تؤمن بفكرة فهي تصل لأنك صادق وانت
تنقلها ، وليس لأنها منطقية ، فالتوفيق الذي يصاحب العمل لايعترف بمنطق.
أنا مثلا كنت استغرب بشدة كم الإعلانات التي تتضمنها الحلقات والتي قد
توازي مدته الأصلية ، واتساءل لماذا يتحمل الجمهور كل هذا ؟ وتكون الاجابة ،
إنها المحبة للشخصية ، كما ان الاعلانات كانت مؤشرا قويا آخر ، على ان
المعلنين يقبلون على الدراما لأن الجمهور اصلا يقبل عليها ، وهذا شيئ جيد
ويؤكد أن المشاهد لم يتأثر بدعوات المقاطعة التي تحاول النيل من الفن ، ومن
الفنانين ، وهذا بحد ذاته رسالة مهمة جدا لكل من اتهم المشاهد المصري
بالتشدد ، وبقلة الوعي. الشعب المصري شعب متدين ويعرف ما هي شرعيته ، وهو
معتدل في كل شيئ ، وتربى على الدين السمح الذي يدعو للتعاطف مع الآخر ،
وهذه هي الصفات التي تربينا عليها جميعا في بيوتنا .
أنت
هنا تطرح قضية مهمة جدا ، فالوسط الفني في مصر كان يعيش أوقاتا عصيبة خلال
الأسابيع الماضية بسبب هجوم الشيوخ المتواصل على كثير من الفنانين مما جعل
بعضهم يفكر في الهجرة ، وأخرون اعتقدوا ان مصر سوف تتحول من هوليوود الشرق
لبلد طارد للفنون ، كيف ترى أنت هذا الأمر وكيف تعلق عليه ؟ مصر سوف تظل طوال عمرها هوليود الشرق ، لكن أيضا سيظل هناك من يحاول ان
ينزع عنها هذا الدور ، فمثلا سلافة معمار تألقت معي في شخصية زينب بمسلسل "
الخواجة عبد القادر " حيث اختارها شادي الفخراني لهذا الدور الذي عرفها
بالجمهور المصري رغم انها كانت تتحدث الصعيدية. أعود وأقول ان المشاهد
المصري واع ، ولديه يقين بإيمانه لا يمكن ان يشككه فيه احد ، واعتقد ان
رسالة مسلسل " الخواجة عبد القادر " كانت تتحدث عن تلك المحبة التي هي اساس
الايمان ، وبالتالي وصلت رسالته للجمهور لأنها لمست شيئا بداخله. عندما
كنت طفلا كان ابي يستيقظ فجرا ليصلي الفجر في موعده ، وكان يصلي في غرفتي
ويرفع صوته قليلا وهو يقيم الصلاة ، كي استيقظ واصلي معه ، في احيان كثيرة
كنت استيقظ واصلي معه ، واحيانا اخرى كنت اكمل نومي فلم يضربني وقتها لأصلي
، لأنه تركني افهم الأمر بشكل تدريجي واتعامل فيما بعد على ان الصلاة
فريضة ولكن بطريقة هادئة وبلا عنف.
وكذلك
في كافة البيوت المصرية كان الدين له هذه الصورة السمحة ، لكن هناك بعض
المتشددين في كل دين ، وهم قلة في كل الأوقات ، كذلك لقاء الرئيس محمد مرسي
بالفنانين مؤخرا اعطى انطباعا ان الفن قوة لا تقهر وان الفنانين هم القوة
الناعمة المؤثرة التي ينبغي على الجميع احترامها. عموما لم تكن الهام شاهين
وحدها هي من تعرضت لمحنة ، وكذلك لم يكن عادل امام وحده الذي تعرض مؤخرا
لاتهامات في اخلاقه وتشكيك في دينه بعد ان اتهمه احد الشيوخ بازدراء
الأديان والحمد لله فقد تم تبرئته ، ولكنني ايضا تعرضت لأمر شبيه قبل سنوات
طويلة انا ومعالي زايد ، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه الجماعات الاسلامية
بالظهور على السطح. حينها فوجئت باستدعائي في نيابة الأداب بتهمة ارتكاب
الفعل الفاضح ، وذلك من خلال مشهد بفيلمي مع معالي زايد للحب قصة أخيرة " ،
وهو من اخراج رأفت الميهي ، ووقتها ايضا انتهى الموضوع على لا شيئ.
ما اريد قوله ، هو ان هناك محاولات دائمة لاسقاط الفن المصري ، لكن بالطبع
لا احد يتذكر اصحاب تلك المحاولات الذين يهدفون الى الشهرة ، وتبقى قيمة
الفن وحدها ، فأين ذهب مهاجمو السيدة ام كلثوم والعندليب عبد الحليم حافظ ،
حيث كان هناك شيوخ كبار يدعون الى عدم الاستماع اليهم ، هؤلاء ذهبوا ولم
يسمع احد باسمهم ، وبقيت ام كلثوم وبقي العندليب بأغنياتهم في وجداننا وفي
وجدان الاجيال الجديدة ايضا ، واعتقد ان مسلسل " الخواجة عبد القادر "
انتصر لتلك القيم النبيلة واعطى دروسا للمتشددين .
نعود
الى الحديث عن حدوتة "الخواجة عبد القادر" ، وكيف وجدت التعامل مع ابنك
شادي الفخراني كمخرج للمرة الأولى ، وايضا لماذا اخترت تكرار التجربة مع
المؤلف عبد الرحيم كمال ، حيث سبق وأن قدمت معه قبل عامين مسلسل "شيخ العرب
همام " ؟ عبد الرحيم كمال فنان وسيناريست مهم جدا ، وقد عرضت علي فكرة مسلسل "
الخواجة عبد القادر " قبيل " شيخ العرب همام " لكنني وقتها كنت متخوفا ،
لأن الخط الرئيسي فيها كان قصة الحب ، فوجدت الأمر بعيدا عني ، وطلبت منه
ان يبحث عن بطل اصغر سنا مني. لكنه اصر وعمل على القصة ، وغير من خطها وبدأ
في كتابتها من جديد ، حتى وصلت الي في هذا الشكل فوافقت على الفور ، خصوصا
وانه استلهم القصة من حياته الشخصية حيث ان والده به كثير من شخصية كمال
التي ظهرت بالعمل ، فوالده ايضا كما قال لي كان متصوفا.
وايضا شخصية الخواجة بها شيئ بسيط من الواقع ، أما شادي ابني فأنا فخور به
جدا ، فقد عرفني على اليات جديدة في العمل واختار طاقم للصوت والتصوير من
الشباب الذين أضافوا لي كثيرا ، وجعلوا التجربة كلها مميزة. وعموما شادي
يفهمني بسهولة وهو شخصية هادئة جدا وخجولة ويقول ملاحظاته بلا عصبية ،
واتوقع له مستقبلا كبيرا. شادي عمل مساعدا للإخراج مع كبار مخرجي الدراما
في مصر ، وهو كان يود ان يبدأ حياته المهنية في السينما لكن عندما وجد كل
هذا التطور في تكنيك التليفزيون سواء فيما يتعلق بالتصوير او غيره لم يتردد
في ان يضع بصمته ، واريد ان اقول شيئا وهو انني كنت أسأل نفسي بعدما دخل
شادي المعهد : هل سيأتي اليوم الذي اعمل فيه معه ؟ والحمد لله قد اتى هذا
اليوم ، وانا فخور به ، واتمنى ان اكرر التجربة مرات ومرات .
تتحدث
عن جيل الشباب بكثير من الحماس ، فهل تفاجأت بمستواهم في هذا المسلسل ،
وهل تتابع جديدهم باستمرار ، وأين أنت من السينما خصوصا وانك لم تقدم عملا
على شاشة السينما منذ فيلمك "مبروك وبلبل " الذي تقاسمت بطولته مع الفنانة
دلال عبد العزيز . الشباب من الفنيين والمصورين ومهندسي الصوت بالفعل فاجؤوني اثناء مسلسلي
الرمضاني ، فلم يرهقوني واستخدموا احدث التقنيات ، رغم انني كنت معتاد في
السابق على التعاون مع اساتذة كبار لكن الشباب بالفعل اقنعوني. يجب ان
نعطي الفرصة للجيل الجديد ، فمثلا ابطال مسرحية مهمة مثل " قهوة سادة " ،
هم مجموعة من الشباب الموهوبين والمتميزين الذين فاجؤوا الجميع ، وقدموا
عملا لن ينسى، وهو عمل راق لا يتكرر كثيرا ، واعادوا الناس من جديد لمتابعة
الأعمال المسرحية.
للأسف أنا اعتبر نفسي مقصرا ناحية الشباب فالبكاد احاول متابعتهم ، واصبحت
لا اتابع السينما مثل السابق ، وانتظر حتى تعرض اعمالهم على شاشة
التليفزيون واشاهدها ، وسبب غيابي عن شاشة السينما هو ان ما عرض على من
سيناريوهات لم تكن جيدة وكانت دون المستوى ففضلت رفضها ، لكنني اخص قارئي "
النشرة " بخبر جديد في هذا المجال وهو انني سوف اعيد العمل على فيلم "محمد
علي" الذي كتبته زوجتي لميس جابر فبعد ان فكرنا جديا في تحويله الى مسلسل
رجعنا وقررنا ان نقدمه فيلما سينمائيا قريبا جدا .
حدثنا
عن علاقتك بالمخرج الكبير الراحل اسماعيل عبد الحافظ الذي قدمت معه دورك
الشهير سليم البدري في الملحمة المهمة " ليالي الحلمية " للسيناريست
المتميز الراحل اسامة انور عكاشة الحقيقة انني كنت احب كلاهما وارتبطت بصداقة معهما وفيما يتعلق بأعمالهما
فأعمالهما الوطن العربي بأكمله يعرفها ، وهي التي تتكلم عنهما. هما من رواد
دراما التليفزيون في الوطن العربي ، ولا أحد ينكر ذلك ، قدما دراما على
مستوى عال ومهم ولن ننساه ابدا.
انسانيا اسماعيل عبد الحافظ كان ابن بلد ، وكان هادئا ورقيقا ويحب شغله
وعنده ضمير في كل حاجة، انا افتقده بشدة وأسأل الله أن يرحمه ويسكنه فسيح
جناته .
هل تعتقد انه ان الأوان لتقديم عمل عن الثورة المصرية تكون انت بطله ؟ اذا فكرت في تقديم مسلسل او فيلم من بطولتي عن ثورة 25 يناير فيجب ان يكون
هذا بعد مرور عدة سنوات على الحدث، وذلك حتى تكون الرؤية واضحة ومكتملة ،
ولا نظلم الثورة ولا نتجنى ايضا على من يهاجمها ، خصوصا واننا نطلع على
حقائق كثيرة كل يوم. لا يمكن ان نقدم عملا مبتورا فقط كي نكون نحن الأسرع ،
فيجب ان نقدم مشروعا له قيمة كبيرة ومهما وعلى مستوى فني عال. الثورة
تعتبر من اهم الاحداث التي وقعت في مصر خلال الفترة الأخيرة ، وبالتالي يجب
أن نعطيها حقها ، وهذا لن يحدث الا بالتأني والصبر.
أنا ادعو الكتاب للعمل على المشروع منذ الآن ، ولكن عندما يكتمل تماما في
ذهنهم وعندما تتضح الصورة بشكل نهائي ، يمكننا القول اننا لدينا عمل يصلح
لأن يكون تأريخا ولو بسيطا لثورة 25 يناير .