ريتا خوري تكشف أسرارها الخاصة في محاولة البحث عن ذاتها
محكمة الزمن من أعدل المحاكم في الحياة. إذا لم تكن اعدلها على الاطلاق.
فكم من الأسماء اللامعة خبت معانيها لظروف معينة. ولكن الزمن وحده كان
الكفيل بترك الفرصة للبريق أن يشع بعد زوال تلك الظروف ولو بعد حين. ريتا
خوري منتجة ومقدمة برامج تلفزيونية لبنانية، قدمت العديد من البرامج
الثقافية والاجتماعية والفنية المهمة في عدد من القنوات العربية. ولكن
ظروفاً أجبرتها على التوقف تاركة تلك الشاشة الصغيرة التي عملت فيها لأكثر
من عشر سنوات. وما لبث أن عاد بريقها يسطع. ولكن اليوم.... في عالم
الكتابة؟
"لأنه حان وقت الصراخ وعذابات الانسان إكتملت"؟ كما قال سقراط. صرخت ريتا
خوري في وجه الألم وقررت أن تفشي اسرارها علّ هذا البوح يمسح الحزن من
قلبها ويلون سماء كآبتها فتنسج السعادة لها قصصاً جديدة مفعمة بالحب والأمل
والفرح.
أصدرت
كتابها الأول "اسرار صغيرة" (دار بلومسبري/ مؤسسة قطر للنشر) أهدته الى
أمها ريجينا والى زوجها نون، وفيه إختصرت تجربتها الشخصية مع عالم التدوين.
وباحت بأسرار من حياتها الخاصة. مدونتها صارت الفضاء الأرحب لكل أسرارها
فهي صديقتها المقربة الوفية التي تحتضن أفكارها وأحاسيسها ومشاعرها. بين
عامي 2006 و2011، دوّنت كل ما تشعر به بأسماء مستعارة، وبعدما تم الكشف عن
هويتها أصبحت تدوّن بإسمها المعروف. ربما، لم تكن تفكّر يوماً بنشر أسرارها
في كتاب، ولم تفكّر يومها أيضاً بتعميم تدويناتها كتجربة إبداعيّة جديدة
وفريدة من نوعها. فكلماتها ليست كلمات مرصوفة جمعت بدون ذوق او لون او عطر
او نغم او فسحة ابداع، إنما هي حقاً كلمات صادقة بسيطة خرجت من قلبها ودخلت
قلوبنا جميعاً . كتبت بتلقائية شديدة عن يومياتها، بعيداً عن الأضواء
الخادعة والكاذبة.
أسرارها تنبض بالألم، تجوع لمن يطلقها، لمن يزيح عن صدرها صخرة الألم
والنار والخوف والاكتئاب الذي تعيشه. تحاول عبر الكتابة أن تعالج نفسها
نفسياً دون اللجوء الى المحلل النفسي الذي كانت تزوره في أحد أحياء العاصمة
الفرنسية. تعتبر أن الكتابة تعدل رؤيتها الى الحياة وتساعدها في تخطي
مشاكلها تقول في مقدمة كتابها: "أعرف أن الكتابة هنا ستساعدني ربما على
تخطي مشكلة ما يعرف بالخوف الاجتماعي والتي طغت منذ ثلاث سنوات فجأة على
صفحات حياتي".
تتابع:
"عشت سنوات طويلة في الخارج، وعند عودتي إنكفأت على نفسي بشكل لا مثيل له.
السبب؟ الأسباب... قد يكون أحدها فقداني لمفاتيح التعامل مع مدينتي".
ضائعة هي في مدينتها تتجاذبها الأحلام تحاول الغوص في ذاتها علّها تجد
الطفلة التي تحلم بالصعود الى القمر، علّها تجد تلك التلميذة الحلمة بعالم
أفضل. علّها تلاقي تلك المراهقة التي ينهال عليها الوالد بالضرب لأنها
تسللت مساء دون علمه الى النادي الرياضي المجاور لتشجع فريقها المفضل. تبحث
عن ذاتها ولكنها عبثاً تجد أنها ذلك الماضي الذي لا يمضي فتهرب تاركة
القيود والظلم.
في
رحلتها لمعرفة ذاتها تغوص في عالم الروح والموت والأحلام وتحلل الجسد تطرح
اسئلة وجودية. فيحضر معها مخرج الفيلم المكسيكي اليخاندرو جونزاليس
إيناريتو الذي يعتقد أن وزن الروح "21 جراما" وأوشو الحكيم الهندي، كما
يحضر فرويد ابو التحليل النفسي ومفكرون آخرون. الكاتب الياباني موراكامي
يحضر برواياته الضخمة، باتريك سوزكند بروايته «العطر»، وألبير كامو بكتابه
«سقوط حر» الذي تستعير عنوانه، ومحمود درويش، والمخرج الاسباني ألمودوفار.
وتنقل عن فرويد جملة بديعة: «ادخل في نفسك، في اعماقك، وتعلّم أولاً معرفة
نفسك، لتفهم لماذا يتعين عليك ان تصبح مريضاً، وربما ستتجنب ذلك».
علاقتها بوالديها لم تكن على ما يرام. فوالدها كان قاسياً جداً ورغم ذلك
خصّته برسالة إستهلتها بـ " أبي الحبيب". أما علاقتها بأمها فكما تقول
علاقة غريبين يتبادلان الكلمات الضرورية فقط. ولكنها الآن وبعد أن تحررت من
خوفها ومن مرض النقص العاطفي الذي عانت منه تقول لها: تخلصت من مشاعري
السلبية تجاهك وتقبلتك كما أنت". وفي سياق آخر تحكي كيف عايدتها في عيد
الأم وتحدثا معاً من القلب الى القلب.
تبدو
ريتا في نصوصها جريئة وصريحة جداً فهي لم تخش أن تصرّح بأنها رمت طبق
لوبياء بالزيت على زوجها لأنّه تأخّر على العشاء. تصف نفسها بالهبلة
المشتتة الطويلة اللسان الحساسة كورقة خريف يابسة. صراحتها اللامتناهية
تجعلها تسكب كل ما يخطر في بالها أو «يعني لها من امور شخصية وحميمة» في
مدونتها التي تصفها بصندوق الخشب العتيق الذي تعمّه فوضى الكلمات
والاحاسيس. وتعترف تشبّه المدونة بـ «حيوان أليف عليك إطعامه مرة على الاقل
في اليوم»، أما طبقه المفضل فهو «البوح». وقبالة هذا «الحيوان الافتراضي»،
أي المدونة، تشبّه نفسها بـ «الحيوان البشري» الذي هو على موعد منتظم مع
ذاته. تقول "المدونة هي خزانة انفعالاتي". والحيوان الأليف هو الحاسوب
الحاسوب الالكتروني الذي خصّته بكثير من النصوص. وتقول على لسانه: "انا
دفتر يوميات مصاب بانهيار اعصاب حاد".
رغم الخوف والحزن والألم الذي عاشته نجد أن تجارب الحياة أنضجتها وحررتها
في أحد نصوصها الذي حمل عنوان "فيل" تقول: " كثيرون منّا يمضون في الحياة
كالأفيال معتقدين أنهم لا يستطيعون إنجاز أو تغيير شيء وذلك لأننا ببساطة
مقتنعون بعجزنا لقد حاولنا فيما مضى ولم نفلح. حاول أن تصنع شيئاً غيّر
حياتك بشكل إيجابي وتحرر من قيود الماضي!"
ريتا خوري للنشرة: أسراري هي أسرار كل الناس ولكنني تجرأت وبحت بها في
حديث لها للنشرة تقول: أنشئت أول مدونة لي بعنوان "اسرار النمل" بين
العامي 2005 و2006 وصرت أدون كل ما يخطر على بالي أو اشعر أنني بحاجة أن
أبوح به كله بالإسم المستعار "رات". كنت أشعر بحرية كبيرة لأنني أكتب دون
قيود لا من يحاسب ولا من يحاكم. لا أحد يعرفني أكتب بعيداً عن قيود الشهرة
والقيود الإجتماعية. زاد عدد القراء واحسست بأن الأسرار تكشف وتفشى فماتت
الدونة الأولى. ولكن تلتها سريعاً مدونة ثانية بعنوان "ماذا بعد" والتي
أوقفها ايضاً التطفل والوقاحة. ثم تلتها مدونات كثيرة الى أن أطلقت مدونة
سرية دامت ثلاث بعنوان "هروب" إخترت ثلاثة من روادها فقط أولئك الذين تعودت
الحديث معهم على صفحة التدوين.
أضافت: "أسرار صغيرة" هي مجموعة من الأسرار التي كتبتها بين عامي 2006
و2011. أسرار تشبه أسرار كل الناس، مشاكلهم اليومية، همومهم، مخاوفهم من
الموت، أزماتهم النفسية وغيرها، فكل من يقرأ هذا الكتاب يجد شبهاً كبيراً
بين مشاكله وهمومهي ومشاكلي وهمومي. ولكنه ربّما لم يستطع أو لا يريد البوح
به. أما أنا فبحت بها.
وعن كيفية الكشف عن هويتها تقول: إحدى المقربات لي أفشت أن صاحبة الاسم
المستعار رات هي أنا ريتا وأفشته بدورها وإنتشر الخبر. مما تسبب بإغلاق
المدونة وبخلافات عائلية. ومن بعدها فتحت مدونة أخرى واصبحت أكتب بحذر ولكن
هذه المرة بإسمي الحقيقي.
وعن
تحول المدونة الى كتاب قالت: علمت بالصدفة من أحد المدونين الأصدقاء أن
هناك دار نشر مهتمة بنشر المدونات وحصل الأمر. وافقت على النشر دون تفكير
بمن وماذا سيحصل. لا رسالة لي أوجهها الى أحد. كتبت لأكتب فقط. فلست مبشرة
أنشر رسائل معينة.
عن الكتابة قالت: أميل أكثر الى الروايات، أحب كتابة الروايات وسأسعى لهذا
الأمر.ولكن الكتابة التدوينية تشعرني بالأمان خصوصاً قبل أن تم الكشف عن
هويتي فهناك لا من يحاسب ولا من يترصد.
عن تحضيراتها الحالية قالت: أحضر لكتاب جديد من ضمن أدب الرحلة أروي فيه رحلاتي الى القطب الشمالي، والنيبال.
(استمع لنص من كتاب أسرار صغيرة بصوت مؤلفته ريتا خوري)