قد يتسائل المرء من حين إلى آخر عن كيفية الحياة في الجنَّة ، وهل البيوت هُناك هي ذاتها البيوت التي يبنيها الإنسان على الأرض أم إنها مختلفة ، وهل الخدمات والرفاهية هُناك هي ذاتها التي على الأرض ، ولا شك من أنَّ الحياة في الجنَّة أفضل وأحلى وأجمل بكثير عن تلك التي نعيشها على الأرض بل يكاد يصعب المقارنة بينها وبين تلك التي نعيشها على الأرض .
ولكن السؤال هو فيما إذا كان هُناك أي تصور محدد لتلك الحياة بحيث نستشفها ونستدل إليها من خلال قرائن ودلائل مقروئة وملموسة وواقعية ، فكلنا يعلم بأنَّ الحياة في الجنَّة أفضل وأعظم ولكن هُناك آيات قرآنية حرصت على وصف الجنَّة ، فهل يمكننا من خلال هذهِ الأوصاف إعطاء تصور ولو مبدئي عن البيوت والقصور في الجنَّة؟
من بين سور القرآن الكريم هُناك سورة الغاشية ، وعندما نتمعن في قرائتها نُلاحظ بأنَّ هُناك أوصاف محددة لبعض جوانب الحياة في الجنَّة ، ومن المثير في هذهِ الآيات البينات بأنَّها تعطي بُعداً غير مألوف لطبيعة الحياة في الجنَّة والذي قد لا نجدهُ على الأرض أبداً وهذا على الرغم من تنوع الرفاهية على الأرض ، حيث نقرء في سورة الغاشية : بسم الله الرحمن الرحيم:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ( لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) . صدق الله العظيم نلاحظ هُنا بأنَّ الجنَّة عالية ( فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) )وهذا يوحي لنا بأنَّ البيوت هُناك على أماكن مرتفعة وعالية وهذا بالطبع محبب للبشر بأن يكون مقامهم أو مكان إقامتهم في مكان مشرف ومرتفع( لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)) فلا يسمع هُناك أي لغو أو حثيث قد يحدث على سطح الأرض ( فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12)) وبالتالي فإن جريان الأنهر والعيون العذبة تكون من تحت هذهِ البيوت ، لا من جنبها أو من فوقها ،( فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13))ومكان السُرُر أي الأسرة وأماكن الإستلقاء تكون مرفوعة أي في أماكن مرتفعة شأنها شأن تلك البيوت العالية ، (وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)) والأكواب وغيرها المُعدة للشرب والأكل إنما هي موضوعة وجاهزة تحت الطلب فلا تحتاج إلى من يعدها ويُجهزها فتأخذ بذلك الوقت الطويل في الإنتظار والترقب ،( وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)) ثم نأتي إلى وسائل الراحة والإستمتاع والممثلة هُنا بالنمارق والتي هي الوسائد المُعدة للرفاهية ومتعة الإستلقاء فهي جاهزة ومصفوفة بالشكل الذي يُريح الإنسان ،( وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)) ولم تغفل الآية الكريمة عن ذكر أرضية ذلك المقام العالي والتي سوف تكون مبثوثة أي مفروشة بالزرابي أي بالوسائل المريحة والناعمة فهي أعظم من السجاد والحصائر وما إلى ذلك من فرش الأرضيات المعروف لدينا ، والمتتبع للآيات التي تلي هذهِ في السورة الكريمة يُلاحظ مقارنة الخالق بكمال خلقهِ وعظمة صنيعهِ بما خلق على الأرض.
لا أخفي عليكم بمدى تأثري وتعظيمي لهذا الوصف العظيم الذي تجاوز خيال كل البشر في تصورهم للرفاهية والنعيم الذي ممكن أن ينالوه في جنَّة الخُلد التي أُعدت للمتقين من عباد الله الصالحين ، وإذا بي أقوم برسم تصور بدائي لذلك اللمقام محاولاً أن يكون وصفهُ قريب من الوصف الذي جاء في هذهِ الآية الكريمة ، مع حرصي على إستنباط فكرة هذا المقام من ما خلق الله وجعلهُ مقام لبعض خلقهِ كالطيور ، وإني على يقين بأنَّ المقام بالجنَّة سيكون أعظم بكثير وأجمل بما تعجز بهِ الكلمات عن الوصف.
جعلنا الله وإياكم من ساكني الجنان
وتقبل الله منَّا ومنكم صلاتكم وصيامكم وعباداتكم
وكل عام وأنتم بخير
محمد " محمد سليم" الكاظمي