لغط كبير أثير حول المسلسل حتى الآن. جدل فقهي، وتناحر إعلامي، وامتعاض سياسي، وتمترس فكري تحسباً لاختراقات لم توضع في الحسبان.
- لست بصدد الإفتاء لانعدام الاختصاص، وقد كفى العلماء ووفوا في هذا الجانب
جداً. لكن لا يزال الخلاف محتدم حتى الساعة بين مؤيد ومعارض، فأمست القضية
خلافية، والخلاف على "تجسيد الشكل" أكثر مما هو على "قيمة المضمون".
- لا علم لي صراحة بأي تعقيب قد ظهر على الساحة على نص المسلسل بعد إعلان
مراجعته من قبل ثلة من العلماء الأفاضل على رأسهم العودة والقرضاوي،
وكلاهما بالمناسبة لم يجز فكرة تجسيد شخصية عمر رضي الله عنه في المسلسل،
ولم يكونا معنيين بأكثر من المراجعة والتدقيق.
- مما يؤسف له.. أن المسلسل قد نال حصة الأسد من جهد الدعاة والوعاظ. صحيح
أن الخلاف هنا يمس شخصية عظيمة لم تتكرر في تاريخنا الإسلامي، ولكن إلى
جانب هذا الخلاف ما عاد يسمع صوت يعظ، يحذر، أو ينتقد الفضائيات التي
اعتادت أن تحيي ليالي رمضان بالأعمال الهابطة والسخيفة والتي لا تخلو من
الرذيلة. وهذه أولى.
- المسلسل يأتي في موسم رمضاني حافل بالبرامج والأعمال عن شخصية عمر رضي
الله عنه. عددت منها أربعة أعمال، منها هذا المسلسل الدرامي، ومنها البرامج
الإلقائية التفاعلية الأخرى التي سيقدمها عدد من الدعاة كعمرو خالد، وحسن
الحسيني وغيرهما.
- دافع البعض عن فكرة عرض المسلسل، بأن من شبابنا اليوم من لم يقرأ في عمره
كتاباً في سيرة عمر، ولا وقت لديه. كأنما يظن أن الكاتب سينقل ما جمعته
الكتب إلى الشاشة نصاً دون قصقصة واجتزاء، وتجاوز عن فقرات وتضخيم لأخرى،
ولا يخلو الأمر من تحوير وافتراء، فالسلطة هنا سلطة بيد الكاتب وسلطة بيد
المخرج، ولئن سلم النص فلا يضمن ذلك سلامة الصورة والبيان. والحقيقة أن من
كانت هذه طريقته للتعرف على سير الصحابة الأخيار فالأولى أن يكون خبره مع
أخبار الحمقى والمغفلين.
- لاختيار شخصية الفاروق، الذي اتسعت في عهده الفتوحات وأطل معه فجر الحرية
على العراق ومصر والشام، محوراً لعمل درامي في هذه الظروف رسائل أمل
مفهومة للعقلاء. الجهلاء، خاصة الطائفيين منهم، لهم رأي آخر، فلا شيء هنا
إلا محاولة لبث الفتنة الطائفية، واذكاء الخلافات، كأننا وهم سمن على عسل،
أو أن مناكفتهم هي عادتنا اليومية التي لا كلل معها ولا ملل. على أنها تظل
دعوة مفتوحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
- رغم كل الجدل الفقهي، وتعالي الأصوات الشعبية الرافضة، والتي تجاوزت على
الشبكة في إحدى التصويتات أكثر من مليون صوت.. ولكن لا يبدو أن ثم آذاناً
ستصغي لكل ما يقال. فبالنهاية.. سترجح كفة المال، والسياسة، على كل أصوات
العامة والفقهاء. توقيت العرض أهم فيما يبدو لهؤلاء من كل هذا الصخب. وأخشى
ما أخشاه أن يكون مجرد بداية.